على الرغم من بعض الإشارات الإيجابية التي أرسلها الرئيس الجديد إيفاريست نداييشيمي، لا تزال بوروندي تعيش على وقع بيئة شديدة العداء لممارسة العمل الصحفي، حيث حُكم على صحفية بعشر سنوات سجناً نافذة على أساس تهم باطلة، أبرزها "تقويض الوحدة الترابية الوطنية".
المشهد الإعلامي
بعدما كانت البلاد تُعتبر سابقاً من أكثر البلدان حيوية على مستوى المشهد الإعلامي في منطقة البحيرات العظمى، أصبح العمل الصحفي في بوروندي فقيراً بشكل كبير منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 2015 والأزمة التي تلت أحداث تلك السنة. فقد تم الإجهاز على العديد من المحطات الإذاعية أو الحُكم على أصحابها بالعيش في المنفى، حيث لجأ العديد منهم إلى رواندا. وتُعد راديو تيلي إيسانجانيرو وبونيشا إف إم وإيواكو من وسائل الإعلام الأكثر شعبية واستقلالية في بوروندي. كما تحظى إذاعة ريما إف إم والهيئة الوطنية للإذاعة والتلفزيون بجمهور واسع، لكنهما تظلان منبراً متوافقاً تماماً مع النظام، حيث بات عملهما يقتصر على الدفاع عن الحكومة والترويج لها.
السياق السياسي
بعد وفاة الرئيس بيير نكورونزيزا عام 2020، وعد الجنرال نداييشيمي الذي خلفه بإعادة العلاقات مع وسائل الإعلام البوروندية إلى مجراها الطبيعي، لكن تنفيذ هذا الوعد لا يزال يتسم بالبطء والتباطؤ. ذلك أن المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية - قوات الدفاع عن الديمقراطية، الذي يتولى السلطة منذ 2005، هو بمثابة حزب وحيد لا يتساهل مع أي صوت معارض. وفي هذا السياق، تئن الصحافة تحت وطأة مراقبة شديدة، لدرجة أن عمل الصحفيين في بعض المحافظات يكون مشروطاً بحصولهم على تصريح رسمي أو أن يكونوا برفقة عنصر من عناصر هيئة الإعلام الحكومية ليتمكنوا من تغطية قضايا أو أحداث معينة. كما أن المجلس الوطني لتنظيم الاتصالات تابع للنظام تماماً، حيث يتمثل دوره في أداء مهمة شرطي الإعلام بالأساس، علماً أن أعضاءه يعينهم الرئيس شخصياً.
الإطار القانوني
صحيح أن حرية التعبير مكفولة بموجب الدستور وقانون الصحافة، بيد أن الإطار القانوني الحالي لا يوفر حماية ملموسة لتعزيز الممارسة الحرة لمهنة الصحافة. وإذا كان عام 2022 قد شهد توقف الرقابة التي عصفت بموقع إيواكو الإخباري منذ خمس سنوات، فإن أعضاء طاقم إيواكو الأربعة لم يستعيدوا حريتهم في أواخر 2020 إلا بعفو رئاسي، بعدما أمضوا أكثر من عام في السجن على خلفية اعتقالهم المفاجئ بينما كانوا في طريقهم للقيام بتغطية صحفية. وفي بداية عام 2023، حُكم على صحفي بالسجن لمدة عشر سنوات، في أعقاب محاكمة جائرة بناءً على تهم باطلة، حيث تُوبع بتهمة "تقويض الوحدة الترابية الوطنية". وقد تدهورت حالته الصحية منذ الزج به في السجن، بسبب انعدام الرعاية وظروف احتجازه المهينة.
السياق الاقتصادي
تُعد بوروندي من أفقر دول العالم. ففي ظل محدودية سوق الإعلانات، من الصعب جداً ضمان استمرارية وسائل الإعلام دون دعم من النظام أو المؤسسات أو المنظمات غير الحكومية الأجنبية.
السياق الاجتماعي والثقافي
رسخ النظام أسس ثقافة الخوف بشكل واسع في المجتمع عموماً، وفي المؤسسات الإعلامية على وجه التحديد، حيث أصبحت الرقابة الذاتية تهيمن على الأوساط الصحفية إلى حد كبير. وفي هذا السياق، غالباً ما يجد الصحفيون في استقبالهم "لجنة ترحيب" مكونة من أشخاص تختارهم السلطات لتكرار الخطاب الرسمي. ذلك أن النظام يرى في الفاعلين الإعلاميين وسيلة لإذكاء الحس القومي. ومن يحيد عن هذه النظرة، فإنه يصبح في عداد أعداء الأمة.
الأمن
يعيش الصحفيون البورونديون في خوف مستمر من التعرض للتهديد أو الاعتداء أو الاعتقال، علماً أن القمع قد يأتي من السلطات أو من نشطاء الحزب الحاكم، مثل ميليشيا إمبونيراكوري الشبابية المعروفة بعنفها الشديد، والتي تلجأ إلى الضرب والابتزاز لإسكات الصحفيين. وفي عام 2021، هاجم الرئيس بشكل علني صحفيَين بورونديَين يعملان في الخارج، واتهمهما بتدمير البلاد، علماً أن الانتهاكات المرتكبة في حق الفاعلين الإعلاميين تمر في إفلات تام من العقاب. فبعد مرور سبع سنوات على اختفاء الصحافي جان بيجيريمانا من إيواكو، وعلى الرغم من تغيير النظام خلال عام 2020، مازالت السلطات لا تُبدي أي إرادة سياسية حقيقية لتسليط الضوء على هذه القضية، التي لا يُستبعَد أن تكون الحكومة السابقة طرفاً فيها.