مواقع الإنترنت المصرية ترزح تحت سياط الرقابة
أمام موجة رقابة غير مسبوقة، تحاول وسائل الإعلام الإلكترونية المصرية مقاومة الهجمات الشرسة وعمليات حجب الإنترنت والصمود أمام حالة تنطوي على انتهاك خطير لحرية التعبير والإعلام، في نظر منظمة مراسلون بلا حدود.
تقبع مصر حالياً في بؤرة سوداء على المستوى الرقمي. هكذا تُلخص الوضع لينا عطالله، مؤسِّسة موقع مدى مصر المستقل، والذي يُعد أحد المنابر الإعلامية الإلكترونية المؤثرة، حيث كان من أول المواقع الإخبارية التي طالتها سياط السلطة، علماً أنه يصدر باللغتين العربية والإنجليزية. وتعود بداية الحملة التي تستهدف الصحافة الإلكترونية في مصر إلى 24 مايو/أيار عندما تم حجب أكثر من ستين موقعاً إلكترونياً، لتتسع دائرة الرقابة بشكل مطرد منذ ذلك الحين، حيث بلغت الحصيلة حتى الآن ما لا يقل عن 123 موقعاً، وفقاً لمؤسسة حرية الفكر والتعبير. صحيح أن السلطات كانت قد قطعت الاتصال بشبكة الإنترنت أثناء ثورة 2011، لكن البلاد لم يسبق لها أن شهدت أبداً حظراً جماعياً لهذا الكم من المواقع في نفس الوقت.
وفي هذا الصدد، قالت ألكسندرا الخازن، مديرة مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود، إن هذه الرقابة التي تشهدها مصر بمستويات غير مسبوقة تحرم عامة المواطنين من الحصول على معلومات حرة ومستقلة، بعيداً عن سيطرة الدولة، مضيفة أن حجب المواقع الإخبارية إنما هو استمرار لسياسة سالبة للحريات على يد نظام وضع مصر ضمن أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين. وأضافت الخازن أن منظمة مراسلون بلا حدود تحث السلطات على تقديم تبرير واضح ورسمي للأسباب التي يستند إليها الحجب في هذه الحالات، مع وضع حد في أقرب وقت ممكن لهذه الرقابة التي يبدو وكأنها تنطوي على طبيعة سياسية بحتة.
هذا وتمثل المواقع الإخبارية أكثر من نصف المنصات الرقمية الـ118 المحجوبة حالياً، علماً أن معظمها من المنابر الإعلامية أو منصات النشاط الإعلامي التي غالباً ما تكون مقربة من الأعداء الألداء للنظام العسكري الحاكم، ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بكل من قطر والإسلاميين، بينما تُزعج بعض المواقع الصادرة باللغتين العربية والإنجليزية السلطات الحاكمة بسبب خطها التحريري المستقل. وبدورها، لا تسلم مواقع بعض الأحزاب السياسية من سياط الرقابة الحكومية، شأنها في ذلك شأن المواقع التي تتيح إمكانية إحباط محاولات الحجب عن طريق إخفاء عنوان بروتوكول الإنترنت، مثل الشبكات الخاصة الافتراضية أو برنامج تور (مما يعني أن القراء لا يظهرون باعتبارهم من مستخدمي شبكة الإنترنت المصرية). وتوضح لينا عطالله أن ذلك أدى إلى امتداد الحجب على نطاق واسع، حيث أصبح يشمل كل المواقع التي تنشر محتويات لم تمر عبر عملية الفرز التي تُشرف عليها السلطات المصرية، مضيفة أن الحجب طال حتى موقع آفاز للحملات المجتمعية.
سُبل تجنب الحجب
في انتظار رفع الرقابة، تحاول وسائل الإعلام الإلكترونية الاستمرار في نشر محتوياتها على الإنترنت من خلال الشبكات الخاصة الافتراضية التي مازال من الممكن الوصول إليها. لكن بما أن مثل هذه الطرق التي تتيح تجنب الحظر الإلكتروني ليست متداولة على نطاق واسع في البلاد، فإن تأثير هذا النهج في أوساط القراء المصريين مازال محدوداً. فعلى سبيل المثال، لاحظ المسؤولون عن موقع البداية - المتخصص في تغطية الصراعات الاجتماعية ومواكبة قضايا المعتقلين السياسيين- انخفاضاً حاداً في معدلات القراء منذ أن أصبح هؤلاء مطالبين باستخدام الشبكات الخاصة الافتراضية، حيث أوضح رئيس التحرير خالد البلشي أن الموقع كان من قبل يشهد 1000 زائر وحيد في المتوسط خلال مدة زمنية معينة، أما الآن فإن المعدل بالكاد يصل إلى 20، مضيفاً في الوقت ذاته أن عدد مقالات الموقع أصبح أقل من ذي قبل، وهو أمر محبط بالنسبة لي ولزملائي الذين ما زالوا يعملون بعزم رغم هذا الحجب. كما أفصح رئيس تحرير البداية عن نيته في إنشاء موقع جديد، ولكني أعتقد أنه لن يسلم بدوره من الحجب.
وفي سياق متصل، تسعى منابر إعلامية أخرى، مثل مدى مصر، إلى تحدي الحظر من خلال الاستمرار في نشر مقالات كاملة على مواقع حاضنة مثل الموقع الفرنسي Orient XXI أو عبر فيسبوك، الذي يحظى بشعبية كبيرة في مصر. وفي هذا الصدد، أكدت لينا عطالله زيادة ملحوظة في أعداد متابعينا على فيسبوك منذ فرض الحظر، ولكننا مع ذلك نحاول عدم الوقوع في فخ الأوهام، مدركين أننا لم نعد ننشر المحتويات بنفس القدر الذي كنا ننتج به في السابق.
قد يبدو استخدام فيسبوك حلاً عبقرياً، وإن لم يكن عملياً تماماً. ولكن إلى متى؟ ففي الربيع الماضي، سن البرلمان المصري مشروع قانون يُراد منه اشتراط استعمال الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك أو تويتر بالمرور عبر سجل الدولة. كما يناقش مجلس النواب أيضاً منذ مدة استصدار قانون خاص بالجرائم الإلكترونية، إذ ينص في المادة 19 على حجب أي موقع من شأنه تهديد الأمن القومي - وهو مصطلح عادة ما يُستخدم في المحاكمات السياسية. بيد أنه لم يتم التصويت بعد على هذا القانون.
عمل غير قانوني؟
أمام انعدام تشريعات محددة وفي ظل غياب أي بيان رسمي (حيث التزمت السلطات صمتاً مُطبقاً تماماً، باستثناء تقرير نُشر في 25 مايو/أيار الماضي حول الترخيص لمنع مواقع معينة لأسباب متنوعة تتعلق أساساً بمكافحة الإرهاب)، باشر المسؤولون عن بعض المواقع باتخاذ إجراءات قانونية ضد ما يعتبرونه إجراءً تعسفياً وغير قانوني. وفي هذا الصدد، قالت مؤسِّسة مدى مصر إننا نريد معرفة الأسباب الكامنة وراء هذا القرار، علماً أن هذا الموقع المستقل يُعد من وسائل الإعلام التي رفعت شكوى إلى النائب العام وتقدمت بطلب للمحكمة الإدارية من أجل الحصول على تفسيرات في هذا الشأن. وبدورها، أقامت مؤسسة حرية الفكر والتعبير دعوى أمام محكمة القضاء الإداري في 18 يونيو/حزيران.
أما موقع مصر العربية فإنه قد يجد نفسه مجبراً على الإغلاق، في ظل بطء الإجراءات القضائية. ذلك أن هذا المنبر الإعلامي الذي يتطرق إلى القضايا العامة حاول جاهداً الاستمرار في نشر محتوياته عبر تقنية الشبكات الخاصة الافتراضية، لكن رئيس تحريره عادل صبري لا يخفي شكوكه حول قدرة الموقع على مواصلة نشاطه. فقد تسببت ضغوط الأجهزة الأمنية على المُعلنين ولاعبي كرة القدم الذين كان يستضيفهم بانتظام في حرمان هذا المنبر الإعلامي من الإيرادات ومصادر المحتويات، مما اضطره إلى تسريح ما يقرب من نصف صحفييه البالغ عددهم 64.
يُذكر أن هذه الحلقة من المسلسل الرقابي تأتي في سياق يطغى عليه التوتر في الساحة السياسية الداخلية، بين ترقب الانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل وما تعيشه البلاد من أزمة اقتصادية وقمع سياسي، ناهيك عن تواصل الهجمات الإرهابية، دون إغفال موجة الاحتجاجات التي بلغ مداها شريحة واسعة من المجتمع في الآونة الأخيرة، ولاسيما في صفوف فئات كانت تُعتبر حتى وقت قريب من التيارات الموالية للنظام، وذلك في ظل روح قومية مهزوزة بسبب إقدام الرئيس السيسي على بيع جزيرتي تيران وصنافير الواقعتين في البحر الأحمر إلى المملكة العربية السعودية.
هذا وتقبع مصر في المرتبة 161 (من أصل 180) في نسخة 2017 من التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام.