منظمة مراسلون بلا حدود تندد بالحصيلة الثقيلة للانتهاكات التي طالت الإعلاميين بعد شهرين من سيطرة الجيش على السلطة
بعد مرور عام على وصول الرئيس محمد مرسي إلى الحكم، جاءت مظاهرات دامت ستة أيام لتُسقطه عن الحكم بتدخل من الجيش لعزله يوم 3 يوليو/تموز 2013. حينها، طالبت منظمة مراسلون بلا حدود الحكومة المؤقتة باحترام خارطة الطريق المبدئية التي أعلنت عنها، وذلك من خلال التعجيل بوضع دستور جديد يضمن بالكامل احترام حقوق الإنسان، خصوصاً حرية التعبير، إلى جانب ضمان نزاهة وحرية الانتخابات الرئاسية والتشريعية، مع احترام مبدأ التعددية.
وبعد مرور شهرين، اتضح لنا بأن حصيلة الانتهاكات الجسيمة في حق الصحفيين والإعلاميين كانت جسيمة بالفعل. فمنذ 3 يوليو/تموز 2013، قُتِل 5 صحفيين، واعتُقِل 80 آخرين بطريقة تعسفية، 7 منهم مازالوا رهن الاحتجاز، بينما تعرّض 40 إعلامياً للاعتداء على يد قوات الشرطة أو المتظاهرين، سواء منهم المؤيدين لمرسي أم المناوئين له.
وتأتي هذه الانتهاكات في سياق سياسي يعرف استقطاباً شديداً، يزيد من تعقيد وضعية الصحفيين والإعلاميين في مصر، ويجعلها أكثر خطورة على حياتهم ومهنتهم
لذلك، تدين منظمة مراسلون بلا حدود أجواء العنف والاحتقان السياسي التي وجد الصحفيون، سواء منهم المحليين أم الأجانب، أنفسهم مجبرين على العمل فيها.
تقول المنظمة: إنه من غير المقبول أن يُصبح الصحفيون عرضة للاستهداف المتواصل. فالمفروض أن تُتاح لهم الظروف المناسبة لمزاولة مهامهم دون أن يخشوا على حياتهم، وذلك في استقلالية تامة الخطوط السياسية الموضوعة في السياق الذي يتواجدون فيه. وإذ نتأسف على سلبية السلطات المصرية الجديدة تُجاه هذه الأحداث، فإننا ندعوها إلى التحرك فوراً لاتخاذ إجراءات تضمن حماية الصحفيين وحرية الرأي والتعبير.
كما تُذكّر منظمة مراسلون بلا حدود بأن تغطية الأحداث الجارية في مصر تبقى ضرورية لتشكيل صورة واضحة عن مدى تعقيد الأوضاع في الميدان.
.
الصحفيون يُقتَلون
في ظرف شهرين، قُتِل في مصر خمسة صحفيين، وهو ما يشكل الحصيلة الأثقل التي مُنيت بها الصحافة في تاريخ البلاد المعاصر.
ففي يوم 8 يوليو/تموز 2013، خلّف إطلاق النار الذي قام به الجيش أمام مقر الحرس الجمهوري في القاهرة 51 قتيلاً ، من بينهم المصور في صحيفة الحرية والعدالة أحمد سمير عاصم السنوسي، الذي كان يغطي الأحداث حينها.
وكان يوم 14 أغسطس/آب 2013 يوماً مشؤوماً بالنسبة للصحفيين، حيث قُتل كل من ميك دين، مصور قناة سكاي نيوز، وأحمد عبد الجواد، مراسلة يومية الأخبار المصرية، ومصعب الشامي، المصور الصحفي في شبكة رصد الإخبارية، بالرصاص بينما كانا يغطيان المواجهات الدائرة بين قوات الأمن والمتظاهرين المؤيدين لمرسي في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة.
كما قُتِل تامر عبد الرؤوف، مدير المكتب الإقليمي لصحيفة الأهرام المصرية، عند نقطة تفتيش أقامها الجيش في دمنهور بمحافظة البحيرة (شمال مصر)، ليلة 19/20 أغسطس/آب 2013، حيث أطلق الجنود النار على السيارة التي كانت تُقله متسببين كذلك في جرح زميله حامد البربري، الصحفي في جريدة الجمهورية المصرية.
.
أكثر من 80 اعتقالاً
على مدى الشهرين الأخيرين كذلك، تعرض أكثر من 80 صحفياً للاعتقال التعسفي على يد قوات الشرطة. وإذا كانت غالبية الصحفيين قد احتجزوا لفترة زمنية قصيرة لا تتعدى 24 ساعة، فإن الآخرين قد بقوا رهن الاحتجاز لعدة أيام، بل عدة أسابيع. وحتى اليوم، مازال هناك سبعة صحفيين رهن الاحتجاز، ثلاثة منهم ينتمون إلى شبكة الجزيرة القطرية.
فقد اعتُقل محمد بدر، مصور قناة الجزيرة مباشر مصر، في ميدان رمسيس بالقاهرة يوم 15 يوليو/تموز، ثم مُددت فترة احتجازه 15 يوماً (الفترة القانونية للحبس الاحتياطي) لمرتين منذ اعتقاله، بينما لم توجه إليه لحد الساعة أية تهمة .
أما عبد الله الشامي، المصور الصحفي في قناة الجزيرة، ومحمود أبو زيد، المصور المستقل المتعاون مع ديموتكس وكوربيس، فقد اعتُقلا يوم 14 أغسطس/آب 2013 في ميدان رابعة العدوية، قبل أن يُنقَلا يوم 18 أغسطس/آب إلى سجن أبو زعبل شمالي القاهرة. وفي نفس اليوم، تعرض أسامة شاكر، مصور قناة أحرار 25 حديثة الإنشاء والموالية لجماعة الإخوان المسلمين، للاعتقال بدوره بينما كان يغطي المواجهات الدائرة في دمياط (شمالي القاهرة). وقد تم تمديد احتجاز هؤلاء الصحفيين الثلاثة كذلك.
وهناك أيضاً الصحفي متين توارن، من وكالة الأنباء التركية الرسمية TRT، الذي تعرض للاعتقال بينما كان يغطي عملية إخراج المتظاهرين بالقوة من مسجد الفتح في القاهرة يوم 16 أغسطس/آب. كما اعتُقل طاهر عصمان حمدي، مدير وكالة أنباء إخلاص التركية، خلال عملية مداهمة لمكتب الوكالة في القاهرة ليلة 20 أغسطس/آب.
ويوم 27 أغسطس/آب 2013، اعتُقل فريق تابع لشبكة الجزيرة في القاهرة بينما كان بصدد إعداد تقرير عن الحالة السياسية في مصر. وقد تعرض كل من مراسل الشبكة واين هاي والمصور عادل برادلو والمنتج راس فين للترحيل من التراب المصري يوم 1 سبتمبر/أيلول، ولكنهم لم يتمكنوا من استعادة معداتهم التقنية. أما المنتج المصري باهر محمد، فمازال رهن الاحتجاز حتى الآن.
ومنذ الإعلان عن حالة الطوارئ وفرض حظر التجول ليوم 14 أغسطس/آب 2013، اعتقلت السلطات المصرية صحفيين أجنبيين هما سباستيان باكهاوس ومارسين مامون، بتهمة عدم احترام حظر التجول. وفي الواقع، فإن قانون حظر التجول لا يسري على رجال الإعلام أو الأطباء.
وقد اعتُقل المخرج البولوني مارسين مامون مرة أخرى برفقة مترجمه بريميسلاف تشيفسكيفا يوم 25 أغسطس/آب في الإسكندرية، قبل الإفراج عنهما بعد ذلك بحوالي 20 ساعة بتدخل من السفارة البولونية في القاهرة.
ومن بين الثمانين عملية اعتقال التي حصلت، فإن 23 تهم صحفيين أجانب: دانيال دموستيي ؛ إيمريش ديرك (RTL) ؛ مراد أوسلو وزافر كراكاس (ستار هابر)، فاتح إير وتوفان غوزلغون (A info) ؛ سباستيان باكهاوس ؛ هبة زكريا (وكالة الأناضول) ومتين توارن (TRT) ؛ فريق فرانس 2، دوروثي أولياريك وستيفان غيامو وأرنو جيدون؛ باتريك كينغسلي (الغارديان)، هوغو باتشيغا وماتياس غيباور (دير شبيغل) ؛ طاهر عصمان حمدي (وكالة إخلاص)؛ ميتسويوشي إيواشيغي ؛ مارسين مامون و بريميسلاف تشيفسكيفا (مترجم) ؛ مراسل من وكالة رويترز ؛ واين هاي وروس فين وعادل برادلو (الجزيرة).
وتستهدف هذه الحملة بالأساس الصحفيين العاملين دلى وسائل الإعلام المقربة من جماعة الإخوان المسلمين والصحفيين الأجانب الذين تتهمهم السلطات المصرية بتغطية الأحداث بطريقة منحازة.
وفي بيان بتاريخ 17 أغسطس/آب، نددت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية غياب الحيادية لدى وسائل الإعلام الخارجية، قالت فيه: تُعبر مصر عن مرارتها تجاه وسائل الإعلام الدولية التي تغطي الأحداث بطريقة منحازة لصالح الإخوان المسلمين، وفي نفس الوقت تغض الطرف عن أعمال العنف والإرهاب التي تقوم بها هذه الجماعة بهدف تخويف وترهيب المواطنين.
.
حوالي أربعين صحفياً تعرضوا للاعتداء والجرح
سجّلت منظمة مراسلون بلا حدود ما لا يقل عن أربعين صحفياً وإعلامياً تعرضوا للاعتداء والجرح أثناء تغطيتهم لتجمعات أنصار جماعة الإخوان المسلمين والمواجهات مع قوات الشرطة.
وقد أصيب عدد كبير من الصحفيين بطلقات نارية أثناء تفريق قوات الأمن للاعتصامات يوم 14 أغطس/آب. من بين هؤلاء، هناك أسماء وجيه من وكالة رويترز، وطارق عباس من صحيفة الوطن، ونجار أحمد من صحيفة المصري اليوم، ومحمد الزكي من الجزيرة، وصحفي آخر من وكالة أسوشيتد بريس.
كما تعرض عدد من الصحفيين كذلك لاعتداءات، كانت أحياناً عنيفة جداً، صاحبتها دائماً مصادرة لمعدات العمل. وفي الغالب، كانت هذه الاعتداءات يقترفها المتظاهرون أنفسهم.
وعليه، احتُجز يوم 9 أغسطس/آب الصحفيان آية حسن ومحمد ممتاز لعدة ساعات على يد مناصرين لمرسي وسط خيام الاعتصام في ميدان رابعة العدوية، وتعرضا للضرب العنيف، حيث نُقل محمد ممتاز بعدها إلى المستشفى.
ويوم 14 أغسطس/آب، كانت إيمان هلال، المصورة الصحفية من جريدة المصري اليوم، تغطي اعتصامات رابعة العدوية حين هددها أنصار الرئيس مرسي بسكين وأرغموها على إعطائهم بطاقة الذاكرة لآلة تصويرها.
كما ارتُكبت كذلك أعمال عنف من طرف اللجان الشعبية التي أسندت إلى نفسها حق حماية الأحياء التي يسكنون فيها من أنصار جماعة الإخوان المسلمين. وقد قامت إحدى هذه اللجان بالاعتداء على الصحفي المستقل جارد مالسن الذي كان برفقة زميله كليف تشيني غير بعيد عن ميدان رمسيس في القاهرة يوم 16 أغسطس/آب، وصادرت معداتهما المهنية. وقد تعرض جارد مالسن خلال هذا الحادث للصفع العنيف على يد أحد رجال هذه اللجنة.
ورغم أن وزارة الداخلية كانت يوم 17 أغسطس/آب 2013 قد أعلنت منع هذه اللجان، إلا أن القرار لم يمنع تواصل أعمال العنف.
وفي مواجهة هذه الاعتداءات التي غالباً ما يفلت مرتكبوها من العقاب، تبدو السلطات عاجزة عن ضمان حماية الصحفيين ورجال الإعلام. وهكذا، قامت مجموعة من الأشخاص يوم 15 أغسطس/آب بتدمير الكاميرا والتسجيلات التي كانت بحوزة فريق صحفي يعمل لفائدة القناة الألمانية ARD. وقد تمكن الصحفيون من اللجوء إلى قوات الأمن طلباً للحماية. هذه الأخيرة، استقبلتهم بسؤال استنكاري يكشف بجلاء الأوضاع في البلاد: بالله عليكم، أي جنون أصابكم لتأتوا إلى هذا المكان وأنتم تحملون كاميرا؟!.
.
حوالي عشرة مؤسسات إعلامية تُفرض عليها الرقابة
في ظرف شهرين كذلك، فرضت الرقابة على حوالي عشرة مؤسسات إعلامية، بينما تعرضت مكاتب ستة أخرى للمداهمات.
فقد كان من بين القرارات الأولى التي اتخذتها السلطات الجديدة، يوم 3 يوليو/تموز 2013، إغلاق أربع قنوات تلفزية: قناة مصر 25لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، قناة الحافظ، ثم قناتي الناس والرحمةـ، والمعروفة بدعمها للرئيس مرسي. وقد داهمت الشرطة مكاتب هذه القنوات تحت ذريعة منعها من نشر رسائل تحرض على الكراهية والعنف. ومازالت هذه القنوات الأربعة ممنوعة عن العمل إلى اليوم.
بعدها بيومين، منعت شركة نايل سات، التي تدير أقمار الاتصال المصرية، ثلاث قنوات تلفزية عربية: القدس، الأقصى، اليرموك.
من جهة أخرى، تعرضت العديد من مكاتب القنوات الأخرى لمداهمات الجيش، حيث داهم يوم 3 أغسطس/آب مكتب الجزيرة مباشر مصر وصادر معدات القناة ومنع بثها المباشر.
إضافة إلى ذلك، داهمت قوات الأمن المصرية مكتب قناة العالم الإيرانية، الناطقة بالعربية، يوم 20 يوليو/تموز 2013 ، إلى جانب مكاتب وكالة الأنباء إخلاص التركية يوم 21 أغسطس/آب 2013.
ويوم 15 أغسطس 2013، اتهم مجلس الوزراء المصري قناة الجزيرة مباشر مصر بالعمل بدون ترخيص وبالتحريض على الكراهية وتشكيل خطر على الأمن القومي. وفي بيان مشترك بتاريخ 28 أغسطس/آب، أعلن وزراء الاستثمار والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام أن قناة الجزيرة مباشر مصر أصبحت محظورة من العمل في مصر بسبب عملها من دون أي سند قانوني أو تراخيص للعمل في مصر.