رسم الكاريكاتير.. مهنة الأخطار الدائمة
أظهر حادثا إطلاق النار في باريس (7 يناير/كانون الثاني) وكوبنهاجن (14 فبراير/شباط) مدى تحوّل رسامي الكاريكاتير إلى هدف للحركات المتطرفة. في مناطق أخرى من العالم، تكون الحكومات غالباً هي الجهة التي تحاول إسكاتهم مستخدمة قوة القانون أو العنف. تسلّط منظمة مراسلون بلا حدود الضوء في هذا الإطار على ثمانية رسامي كاريكاتير يتعرّضون للتهديد أو الاضطهاد بسبب مهنتهم.
فرزات في سوريا، ديلم في الجزائر، فيلكس في السويد، زونار في ماليزيا، براجيث في سريلانكا، بونيل في الإكوادور، كارت في تركيا، تريفيدي في الهند ـ تعرّض جميع رسامي الكاريكاتير هؤلاء للتهديد. تم استهداف بعضهم من قبل مجموعات متطرفة، بينما حاولت الحكومات إسكات غيرهم عبر الاعتقال والملاحقة القضائية. كما يرزح بعضهم تحت نير كلا التهديدين. تقول المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إن حرية التعبير قد تخضع لقيود من أجل ضمان احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم أو لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة، إلا أن هذه القيود يجب أن تكون نسبية بحيث لا تنتهك حق تداول المعلومات. في الوقت نفسه، أكّد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير على أن الحق بحرية الكلام يشمل التعبير عن الآراء التي تؤذي أو تصدم أو تزعج. بغض النظر عن القانون الدولي، عادة ما يُثبت زعماء السياسة والدين والقادة العسكريون ورؤساء المجموعات غير الحكومية أنهم لا يقبلون النقد والسخرية. ولذلك فإن الرقابة والطرد وتهديدات القتل والمضايقات القضائية والعنف الجسدي، وحتى القتل في أخطر الحالات، هو ما ينتظر العاملين في مهنة تزداد خطورتها بشكل مستمر. تستعرض منظمة مراسلون بلا حدود حالة ثمانية رسامي كاريكاتير تعرّضوا للاضطهاد بسبب عملهم.قام عناصر استخبارات مسلّحون باختطاف رسام الكاريكاتير علي فرزات في العاصمة السورية دمشق في 25 أغسطس/آب 2011. كان فرزات من منتقدي حزب البعث والرئيس بشار الأسد لسنوات، لكن بعد انطلاق الانتفاضة السورية، أصبحت رسومه الكاريكاتيرية أكثر جرأة ولفتَ الانتباه إلى القتل الجماعي الذي يقوم به النظام. سلّمه خاطفوه لعناصر ميليشيا حكومية قاموا بتهشيم يده اليسرى التي يستخدمها في الرسم وإطفاء أعقاب السجائر في كافة أنحاء جسده على الجلد مباشرة. في نهاية الأمر وبعد عدة ساعات ألقوه على جانب الطريق ورأسه مغطى بكيس. يبلغ فرزات من العمر 64 عاماً ويقيم حالياً بمنفاه في الكويت حيث يتابع عمله. نال جائزة سخاروف لحرية التعبير من البرلمان الأوروبي عام 2011.
علي ديلم، الذي يعمل في صحيفة ليبرتي الجزائرية والتلفزيون الفرنسي وبرنامج كشك الصحافة في قناة TV5 Monde، يدرك جيداً أن ليس من السهل على الإطلاق أن يكون المرء رسام كاريكاتير في الجزائر. فقد تعرّض على مدى سنوات لتهديدات بالقتل من قبل مجموعات إسلامية ومضايقات قضائية. تعرض للاحتجاز من قبل الشرطة عدة مرات، كما صدرت بحقه أحكام سجن مع وقف التنفيذ بسبب اتهامات جنائية بالتشهير. وفي عام 2001 لم يكن له شرف أن يُطلق اسمه على مجموعة من التعديلات شملت قانون العقوبات وتنصّ على فرض عقوبات تصل إلى السجن لعام واحد بحقّ الصحافيين. لكنه لم يتوقف وتلقى العديد من الجوائز الدولية، بما فيها جائزة حرية الصحافة من نادي ليموسين للصحافة ومراسلون بلا حدود عام 2005. كما نال لقب فارس من وزارة الثقافة الفرنسية في أكتوبر/تشرين الأول 2010 تكريماً لإنجازاته الاستثنائية في مجال الفنون.
اشتهر السويدي لارس فيلكس حول العام بعد نشر رسومه الكاريكاتورية عن النبي محمد عام 2007. أصدر تنظيم القاعدة نداءً من أجل هدر دم لارس الذي تجرّأ على إهانة نبيّنا، وعرض التنظيم 100 ألف دولار لمن يقتله، و50 ألف دولار لمن يقتل الرسام أولف يوهانسن رئيس تحرير أول مجلة نشرت الرسوم، و50 ألف دولار إضافية في حال تم ذبح فيلكس مثل خروف. أما الحماية التي يحصل عليها من قبل الشرطة منذ عام 2010 فقد تم رفع مستواها بعد مذبحة شارلي إيبدو. صدر عام 2014 حُكمٌ بالسجن عشر سنوات بحقّ أمريكية تبلغ من العمر 50 عاماً اعتنقت الإسلام وأطلقت على نفسها الجهادية جين لدورها في مخطط لقتل فيلكس يعود لعام 2009. كان فيلكس من الأهداف المفترضة لهجوم على مؤتمر في كوبنهاجن في 14 فبراير/شباط 2015 تكريماً لضحايا شارلي إيبدو.
تم منع كتاب رسوم كاريكاتورية قدّمها الماليزي زونار (ذو الكفل أنور الحق) وتفتيش منزله عام 2010 ضمن سلسلة من المضايقات القضائية. قال إن كل ما يريده هو استخدام رسومه الكاريكاتورية الاجتماعية والسياسية لمساعدة الناس على فهم الأخبار. ولكن بدلاً من ذلك تم اتهامه بالتحريض، وبدأ معركة قضائية طويلة، لا تبدو نهايتها قريبة، لمنع السلطات من فرض رقابة على أعماله. منعت هيئة الانتخابات الماليزية عام 2012 كافة الرسوم الكاريكاتورية خلال حملة الانتخابات البرلمانية في محاولة منها لتجنّب أي انتقاد يوجهه هو أو غيره. منذ إدانته في يوليو/تموز 2012، ليس بوسعه تنظيم معارض في وطنه. وفي تطور حديث، اقتحمت الشرطة مكتبه في كوالالامبور في 28 يناير/كانون الثاني دون مذكرة تفتيش وصادرت المئات من كتبه واستجوبت موظفيه.
منذ مغادرته مكتبه في 24 يناير/كانون الثاني 2010، لم يعد المحلل السياسي ورسام الكاريكاتير السريلانكي براجيث إكناليجودا إلى منزله. وكان قد أعلم صديقاً مقرباً له باعتقاده أن هناك من يلاحقه على مدى الأيام القليلة السابقة لذلك. كتب قبل اختفائه بأسبوع مقالة مطوّلة قارن فيها بين اثنين من أبرز مرشّحي الرئاسة وأعرب عن تفضيله لمرشّح المعارضة. وعلى مدى الشهرين التاليين لفقدان أثره، لم تُظهر الشرطة اهتماماً بالعثور عليه حياً ولم تُقدِّم لعائلته أية معلومات هامة. الأسوأ من ذلك هو أن وزراء في الحكومة قدّموا تصريحات متناقضة وخلقوا نوعاً من الالتباس حول الظروف المحيطة باختفائه. حتى أن شقيق رئيس البلاد ووزير الدفاع، جوتابايا راجاباكسا، ذهب إلى حدّ التلميح بأن إكناليجودا فبرك غيابه بنفسه. في الذكرى الثالثة لاختفائه، أطلقت منظمتا مراسلون بلا حدود ورسوم كاريكاتورية من أجل السلام حملة دولية تحت عنوان أين هو براجيث؟
أن يكون المرء رسام كاريكاتير في الإكوادور هو أمر ينطوي على صعوبة جمة، فحرية تداول المعلومات تتعرض للهجوم بعد عام على تبني قانون الاتصالات من قبل هيئة عليا تم استحداثها بموجب هذا القانون وقامت بشكل متكرر بفرض رقابة على رسام الكاريكاتير خافيير بونيلا، المعروف باسم بونيل. وفي فبراير/شباط 2014 خلُصت الهيئة العليا إلى أن أحد رسومه الذي ينتقد اقتحام الشرطة منزل أحد الصحفيين شوّه سمعة الحكومة التي أمرت بونيل نشر رسم يصحح فيه ما سبق وقدمه، كما فرضت على صحيفة إل يونيفرسو دفع غرامة مالية تبلغ 90 ألف دولار. عادت الهيئة العليا للمضايقات مجدداً في مطلع عام 2015 فاتهمت بونيل هذه المرة بالتمييز على أساس اجتماعي اقتصادي في رسم كاريكاتوري يسخر من المهارات الخطابية المحدودة لأوغستين ديلغادو، وهو من الإثنية الأفريقية الإكوادورية ويمثل الحزب الحاكم وسبق أن كان لاعب كرة قدم. وبناء على أوامر من الهيئة العليا، تم إجبار صحيفة إل يونيفرسو على الاعتذار من الأفريقيين الإكوادوريين. كما تلقى بونيل توبيخاً مكتوباً يطلب منه تصحيح ممارساته وعدم القيام بالمزيد من الإساءات.
يُعتبر رسم الكاريكاتير السياسي من التقاليد الراسخة في تركيا، وكذلك الأمر بالنسبة لاضطهاد رّساميه. موسى كارت هو رسام كاريكاتير مشهور يعمل لحساب صحيفة جمهورية وفي فبراير/شباط 2014 واجه اتهامات بإهانة رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء آنذاك (الرئيس الحالي لتركيا)، بعد نشر رسم يلمّح إلى أن رئيس الوزراء متورط في عملية غسيل أموال مزعومة أدت إلى مغادرة أربع وزراء للحكومة. ورغم أن المدعي العام رفض القضية أول الأمر، إلا أن أردوغان استخدم نفوذه الكبير لتوجيه اتهامات جديدة بإهانة وانتهاك سرية التحقيق القضائي ليواجه كارت اتهاماً بالتشهير الجنائي، وهو ما قد يؤدي إلى السجن لسنوات. ردّ رسام الكاريكاتير البريطاني مارتن روسون على ذلك بإطلاق حملة عبر تويتر مستخدماً الوسم (#ErdoganCaricature) دعا فيها رسامي الكاريكاتير حول العالم للسخرية من إردوغان تضامناً مع كارت. وبعد الشعبية الكبيرة التي حققتها الحملة، برّأت أخيراً محكمة جنائية في إسطنبول كارت في أكتوبر/تشرين الأول 2014. إلا أن إردوغان استأنف القرار لتستمر القضية أمام المحاكم التركية.
بدأ رسام الكاريكاتير الهندي عاصم تريفيدي مشاركته في حملة ضد الفساد عام 2011 وأطلق موقعاً إلكترونياً يحمل اسم رسوم كاريكاتورية ضد الفساد. وبعد إظهار رسومه في اجتماع لمكافحة الفساد، تم اعتقاله في سبتمبر/أيلول 2012 بتهمة التحريض نتيجة سخريته من الرموز الوطنية الهندية، وأمضى بسبب ذلك عدة أيام في السجن. وفي العام نفسه تقاسم مع رسام الكاريكاتير السوري علي فرزات جائزة الشجاعة في الرسوم التحريرية من قبل الشبكة العالمية لحقوق رسامي الكاريكاتير. ابتعد تريفيدي بعد ذلك عن رسم الكاريكاتير لسنتين ثم استأنف عمله بعد مجزرة شارلي إيبدو، فقدّم سلسلة رسوم حملت عنوان لأن وأظهرت النبي محمد. قال إنه قام بذلك بسبب أهمية تجاوز شعور الخوف الذي ساد في أوساط كافة رسامي الكاريكاتير بعد المجزرة. قام موقع فيسبوك بحذف رسومه ثم سمح بنشرها مجدداً. أطلق تريفيدي أيضاً حملة رسمٌ كاريكاتوري مقابل كل جلدة دعماً للمدوّن السعودي رائف بدوي الذي حُكم عليه بالجلد 1000 جلدة والسجن 10 سنوات، كما يُخطط لإطلاق دورية أسبوعية ساخرة من المجتمع والسياسة والدين بالتعاون مع عدد من رسامي الكاريكاتير الهنود. وسيكون العدد الأول من هذه الدورية مكرساً لشارلي إيبدو.