حجب حسابات عشرات الصحفيين الفلسطينيين على تطبيق واتساب
من دون سبب واضح، تم حظر حسابات عشرات الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة على تطبيق واتساب خلال الأيام التي أعقبت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس. وإذ تستنكر مراسلون بلا حدود الإجراءات المتكررة التي تفرض الرقابة على الصحفيين الفلسطينيين، فإنها تدعو واتساب لتوخي مزيد من الشفافية في آليات الاعتدال وسبل الطعن.
"رقم هاتفك ممنوع من استخدام واتساب. اتصل بقسم الدعم للحصول على المساعدة". من خلال هذه الرسالة القصيرة، ودون أي سابق إنذار أو تفسير، علم عشرات الفلسطينيين، من بينهم ما لا يقل ع سبعة صحفيين مقيمين في قطاع غزة، أنهم لم يعودوا قادرين على استخدام تطبيق المراسلة الفورية في الساعات التي أعقبت إقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في 21 مايو/أيار. وشمل هذا الإجراء أربعة صحفيين يعملون في قناة الجزيرة القطرية، وهم وائل الدحدوح وهشام زقوت وخالد لبد ومؤمن الشرفي وهبة عقيلة، بالإضافة إلى زميلين لهم من العاملين في وكالة فرانس برس، وهما صخر أبو العون وعادل الزعنون.
وكان هؤلاء الصحفيون جميعًا أعضاء في مجموعات لتبادل المعلومات على التطبيق المذكور، وهي مجموعات شهدت رواجاً متزايداً خلال العملية العسكرية بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس التي انطلقت في 10 مايو/أيار 2021. ويشرح مراسل وكالة فرانس برس في غزة عادل الزعنون، الذي تواصلت معه مراسلون بلا حدود، بعد حرمانه يوم الأربعاء من العمل بتطبيق واتساب الذي يستخدمه منذ ثماني سنوات: "عملنا كالمعتاد على نشر معلومات على مجموعات إخبارية، والتواصل مع زملاء وصحفيين، بغرض متابعة الأحداث".
أما وائل الدحدوح، المتعاون مع قناة الجزيرة، فقد أوضح لمراسلون بلا حدود أنه حاول الاتصال بإدارة واتساب للطعن في قرار الحظر، لكنه لم يتلق أي رد. ومع ذلك، فقد تمكن من استعادة حسابه بعدها بثلاثة أيام، عقب تدخل إدارة القناة من مقرها في قطر.
يُذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي يُحرم فيها الصحفيون الفلسطينيون من حقهم في استخدام واتساب، بالتزامن مع فترة حافلة بالأخبار والمستجدات وحيث تكون مواكبة الأحداث فور وقوعها أمرًا بالغ الأهمية. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وأثناء هجوم إسرائيلي على قطاع غزة رداً على قذائف أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي، تم في ظروف مماثلة تجميد حسابات واتساب للصحفيين رشدي أبو علوف (مدير مكتب بي بي سي باللغة العربية) وناهد منصور (مصور صحفي مستقل) وجهاد بارود (مراسل موقع آي ميديا) وعلاء أبو محسن (مراسل سمارت ميديا) وسعيد الخطيب (مصور وكالة فرانس برس) ومصطفى حبوش (مصور صحفي لوكالة أناضول التركية).
وفي هذا الصدد، قال إيريس فيلارس، مسؤول قسم التكنولوجيا في مراسلون بلا حدود، "إن هذه الموجة الجديدة من إجراءات الحظر التي تطال الصحفيين إنما تُظهر أن واتساب يعتمد خوارزميات تشوبها الشوائب فيما يتعلق بضبط ما يتم تداوله داخل مجموعات التواصل"، داعياً في الوقت ذاته إدارة هذا التطبيق إلى "توخي مزيد من الشفافية حول سبب حظره للمستخدمين وتحسين سبل الطعن الحالية من أجل السماح للصحفيين باستعادة حساباتهم بأسرع وقت ممكن، لاسيما وأنهم يعتمدون على المراسلات الفورية لمشاركة المعلومات".
من جهتها، قالت صابرين النوي، مسؤولة مكتب الشرق الأوسط في مراسلون بلا حدود: "إلى جانب حظر استخدام تطبيق واتساب، يواجه الصحفيون الفلسطينيون صعوبات جمة في استخدام الأدوات الرقمية وذلك تحت تهديد دائم بالحظر، وهو وضع لا يوجد في أي مكان آخر في الشرق الأوسط"، مضيفة أن "تغطية النزاع تعني أن الصحفيين يمكنهم الاطلاع على محتوى ينطوي على مشاهد عنيفة أو محتوى من محتويات الجماعات المسلحة، فهذا لا ينبغي أن يجعلهم أهدافًا لسياسة اعتدال اعتباطية تؤدي بالضرورة إلى فرض رقابة فعلية عليهم".
وفقًا لمنظمة صدى سوشيال الفلسطينية، التي تركز على حالات حذف الحسابات، تم حظر 20 حسابًا على واتساب بشكل تعسفي خلال شهري مايو/أيار 2021 و80 حسابًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إبَّان العملية العسكرية السابقة – حيث تم استهداف حسابات فلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية وأيضًا في أوساط بعض فلسطينيي الشتات. كما أحصت المنظمة أكثر من ألف حساب محظور على فيسبوك وإنستغرام وتويتر ويوتيوب خلال عام 2020.
وفي اتصال أجرته معها مراسلون بلا حدود، نفت إدارة واتساب أنها لم تفرض أي رقابة على الصحفيين، مؤكدة أن الحظر ناتج عن خطأ في إجراءات تقييم الاعتدال، حيث أوضحت في ردها على استفسارنا بالقول: "نحظر بعض الحسابات امتثالاً للقانون المعمول به وعملاً بسياساتنا المتعلقة بمنع وقوع الضرر. في هذه الحالة، طال الحظر عدداً من الصحفيين عن غير قصد وقد عملنا بسرعة على استرجاع حساباتهم. يعتمد الصحفيون في جميع أنحاء العالم على واتساب، وآخر شيء نريد القيام به هو أن نصعب عليهم القيام بعملهم القيِّم والمهم".
بشكل عام، تتوافق معايير استخدام واتساب مع التشريعات الأمريكية. فبالنسبة لأي محتوى إباحي يمس الأطفال أو يدعو إلى الإرهاب أو يبرره، يُطلب من واتساب حظر المستخدم على الفور. وبينما لا تمتلك نظريًا إمكانية الوصول إلى المحادثات المشفرة، تعتمد شركة التواصل هذه على خوارزميات تتعرف على الصور الشخصية والمجموعات أو عناوين المجموعات وأوصافها، حرصاً منها على ضمان الاعتدال في المحتويات. ولأنهم أعضاء في محادثات يديرها بعض ممثلي حماس، فإن الخوارزميات المعمول بها قد تعتبر تلقائيًا حسابات بعض الصحفيين ضمن الحسابات التي يجب حظرها.
ومن ناحية أخرى، هناك فرضية "الإبلاغ الكيدي": من الممكن الانضمام إلى مجموعة واتساب خاصة عن طريق الإضافة اليدوية إلى قائمة الأعضاء، كما يمكن القيام بذلك عن طريق إرسال روابط الدعوة. في هذه الحالة، يمكن لأي مستخدم خارجي الدخول والإبلاغ عن المجموعة. وتُستخدم هذه التقنية، التي تسمى "الإبلاغ الجماعي"، أحيانًا بطريقة منسقة ومتزامنة من قبل مؤيدي حركة ما أو أجهزة استخبارات معينة للضغط من أجل إغلاق حساب ما من خلال استغلال الخوارزمية المعمول بها.
يُذكر أن إسرائيل وفلسطين تحتلان المرتبتين 86 و132 على التوالي (من أصل 180 بلداً) في التصنيف العالمي لحرية الصحافة، الذي نشرته مراسلون بلا حدود في وقت سابق هذا العام.