بعد مرور عام على إطلاق «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، لا تزال مصر رائدة في قمع الصحفيين
منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في سبتمبر/أيلول 2021، لم يتوقف القمع الممنهج الذي تشنه السلطات ضد الصحفيين. فرغم الإفراج عن ثمانية فاعلين إعلاميين في الأشهر الستة الماضية - آخرهم يوم الأربعاء 14 سبتمبر/أيلول - لا يزال 22 قابعين في السجن حتى الآن. ذلك أن الصحفيين المصريين يواجهون شتى أنواع المضايقات القضائية ما لم ينصاعوا لسيطرة السلطات التي تُحكم قبضتها على الخطاب العام.
قال مكتب الشرق الأوسط في منظمة مراسلون بلا حدود: «إن عدد الصحفيين المحتجزين يؤكد أن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لا تُبدي أي أهمية لتحسين وضع الصحافة في مصر على الإطلاق. فقد تم الإفراج عن ثمانية صحفيين، لكن حالات العفو الفردية هذه لا تحلّ المشاكل الهيكلية التي تعيق عمل الصحافيين وسلامتهم.
بعد مرور عام على تباهي الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام الكاميرات بإطلاق "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان"، لا تزال مصر من أكبر سجون الصحافيين على مستوى العالم، حيث يقبع الآن ما لا يقل عن 22 فاعلاً إعلامياً وراء القضبان، ثلاثة منهم اعتُقلوا منذ إعلان السيسي عن الاستراتيجية المذكورة في 11 سبتمبر/أيلول 2021.
رأى هذا البرنامج النور بمبادرة من وزارة الخارجية المصرية، وقد وصفته منظمات حقوقية منذ البداية بأنه مجرد حيلة دعائية أخرى لإرضاء حكومات الدول الأجنبية، وذلك بهدف جذب الأموال للاقتصاد المصري الذي يواجه الصعوبات.
محتجزون بالجملة
لم تشرع الحكومة في أي إصلاح على مستوى حرية الصحافة، حيث يعمل أهل القطاع في مناخ يسوده الخوف، إذ سُرعان ما تعود آلة الاعتقال إلى العمل من جديد بمجرد إفراج السلطات عن بعض الصحافيين. تم احتجاز ثلاثة فاعلين إعلاميين منذ أن أطلق عبد الفتاح السيسي مبادرته المسماة «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، ويتعلق الأمر بكل من محمد فوزي مسعد وصفاء الكوربيجي وهالة فهمي، الذين يوجدون رهن الحبس السابق للمحاكمة منذ 15 مايو/أيار و20 أبريل/نيسان و24 أبريل/نيسان على التوالي، وذلك على خلفية تهم تتعلق بعملهم الصحفي.
اعتقالات
منذ 11 سبتمبر/أيلول 2021، تاريخ إطلاق الاستراتيجية، طال الاعتقال المؤقت ستة صحافيين آخرين على الأقل، وتم إخضاعهم للاستجواب. وآخرها كان يوم 7 سبتمبر/أيلول مع اعتقال رئيسة تحرير مدى مصر، لينا عطا الله، وزميلاتها رنا ممدوح وسارة سيف الدين وبيسان كساب، قبل الإفراج عن الصحفيات الأربع بكفالة، ولكنهن مازلن يواجهن تهمة «إدارة موقع إلكتروني دون ترخيص»، التي قد تترتب عنها تبعات قانونية.
الحبس الاحتياطي
يطال الاحتجاز السابق للمحاكمة ما لا يقل عن 15 من الصحفيين الـ22 القابعين في السجن حالياً، ومن بينهم المدوّن الشهير علاء عبد الفتاح، الذي يوجد وراء القضبان منذ 29 سبتمبر/أيلول 2019 بتهمة «الانتماء لجماعة إرهابية» و«نشر معلومات كاذبة» و«إساءة استخدام منصّات التواصل الاجتماعي»، ورغم أنه كثف إضرابه عن الطعام إلا أن اعتقاله مازال مستمراً منذ 2 أبريل/نيسان 2022، وهو الآن يواجه خطر الموت في السجن.
وبدوره، لا يزال المدوّن المعروف باسم محمد أوكسجين - رهن الحبس الاحتياطي منذ 20 سبتمبر/أيلول 2019 لتغطيته الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وهو نفس المصير الذي يواجهه الصحافيون محمد سعيد فهمي وعبد الناصر سلامة وحمدي الزعيم وبهاء الدين إبراهيم وعلياء عوض ومصطفى الخطيب.
وفي 29 أغسطس/آب، قررت محكمة الجنايات تجديد حبس الصحافي توفيق غانم، رئيس التحرير السابق لموقع إسلام أون لاين ووكالة أناضول للأنباء، وهو القابع خلف القضبان منذ 21 مايو/أيار 2021 بتهمة «نشر أخبار كاذبة» و«الانتماء إلى جماعة محظورة»، وهو نفس الإجراء الذي طال صحافي الجزيرة ربيع الشيخ.
المشاكل الهيكلية لا تزال قائمة
تدل الاحتجازات والاعتقالات والمحاكمات على أن ستراتيجية الحكومة لا يهمّها التطرّق إلى المشاكل الهيكلية التي تؤثر على المشهد الإعلامي المصري، حيث لا تزال تعددية وسائل الإعلام منعدمة، في ظل خضوع معظم وسائل الإعلام لسيطرة الحكومة، وهو ما اعتبرته مراسلون بلا حدود «سيسسة» منظومة الإعلام . كما يطال الحجب أكثر من 500 موقع إخباري في مصر، بما في ذلك موقع مراسلون بلا حدود، بينما يتعرض الصحافيون المستقلّون بانتظام لملاحقات قضائية أو حملات تشهير من قبل مذيعين وإعلاميين موالين للنظام الحاكم.