العراق بعد ستة أعوام: الحصيلة
المنظمة
بمناسبة الذكرى السادسة للتدخل الأمريكي في العراق، قام أمين عام مراسلون بلا حدود جان - فرانسوا جوليار بتحليل وضع حرية الصحافة في العراق اليوم.
بمناسبة الذكرى السادسة للتدخل الأمريكي في العراق، قام أمين عام مراسلون بلا حدود جان - فرانسوا جوليار بتحليل وضع حرية الصحافة في العراق اليوم. يمكن الاطلاع عليه على موقع معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية على العنوان التالي: http://www.affaires-strategiques.info/spip.php?article938 منذ بدء التدخّل العسكري الأمريكي في العراق، فَقَدَ الصحافيون بالأمن ما اكتسبوه بالحرية. ففي ظل نظام صدام حسين، كانت الصحافة تخضع لأمرة السلطة: تتصدّر أخبار الرئيس الصفحات الأولى يومياً فيما يفرض حظر كامل على أي انتقادات توجه إليه. وكان مصير أي صحافي يجرؤ على الابتعاد عن الخط الرسمي العقاب الذي يتخذ في معظم الأحيان شكل الإقامة المطوّلة في السجن. إلا أن سقوط النظام في ربيع العام 2003 شرّع الأبواب لمساحة غير مسبوقة من الحرية. فظهرت مؤسسات إعلامية خاصة ومستقلة وتابعة للمعارضة وسرعان ما باتت 300 وسيلة إعلامية (بين صحف، وإذاعات، وقنوات تلفزة) تعمل على الأراضي العراقية. وما كان من الصحافيين إلا أن راحوا يستفيدون من حرية التعبير هذه التي كانوا يفتقدون إليها إلى تاريخه. ولكنهم سرعان ما استحالوا أيضاً أهدافاً لعدة جماعات مسلّحة ناشطة في البلاد في ظل تعدد دوافع القاتلين: مذهب الصحافي الديني، انتمائه إلى عشيرة أو أسرة معيّنة، تحقيقاته أو تقاريره الانتقادية، تعاونه مع مؤسسة إعلامية أجنبية، وغيرها. وبالمجموع، لاقى 225 محترفاً إعلامياً حتفهم (بين صحافيين ومعاونين إعلاميين) منذ بداية غزو قوات التحالف للبلاد في آذار/مارس 2003. ولا يخفى أن هذا النزاع كان الأكثر دموية للقطاع الإعلامي، مع الإشارة إلى أن عدد الصحافيين الذين قتلوا في العراق في غضون ستة أعوام هو أربع مرات أكثر من العدد الذي سقط في غضون عشرين عاماً من حرب فييتنام. ولعل العامين 2006 و2007 شهدا أكبر عدد من سفك الدماء، بحيث أنه سجِّل مقتل صحافي أسبوعياً. وفي الأغلبية الساحقة من الحالات، كان القاتلون ينتمون إلى جماعات مسلّحة هي في صراع مع السلطة المركزية القائمة في العراق والقوات الأجنبية. ولكن أكثر من عشرة صحافيين سقطوا بنيران الجنود الأمريكيين أيضاً. وقد أقرّ البنتاغون بمسؤوليته في عدة قضايا من دون أن يؤخذ أي تدبير عقابي (باستثناء بعض العقوبات الإدارية) ضد العسكريين المجرّمين. لا شك في أن هذا الإفلات من العقاب يساهم في الحفاظ على هذا الجو المأساوي. وبالرغم من تراجع ملحوظ في أعمال العنف المرتكبة ضد الصحافيين في العام 2008، إلا أن مقتل مراسلين في آذار/مارس 2009 ليؤكد أن الخطر لا يزال محدقاً بالمحترفين الإعلاميين. حتى في إقليم كردستان المحمي تقليدياً من انتفاضات الجمهورية، فقد تعددت الاعتداءات الموجهة ضد الصحافيين. الواقع أن السلطات العراقية لا تتجاهل هذه المسألة تماماً، ولا سيما رئيس الوزراء نوري المالكي. فبعد انتهاج سياسة الأذن الصماء إزاء دعوات المنظمات الدولية، قبلت الحكومة في العام 2008 بإنشاء وحدة خاصة في الشرطة مكلّفة بالتحقيق في الاغتيالات التي تستهدف الصحافيين، كما أنها خصّصت خطاً ساخناً للمحترفين الإعلاميين المعرّضين للخطر تمنح بموجبه الحماية المسلّحة للصحافيين الذين يطلبونها. ويجدر القول إن أعمال العنف هذه تترك عواقب وخيمة على معالجة الأخبار في العراق. فلا تحظى بعض المناطق الخطرة بالتغطية الكافية، بما فيها تلك التي تجريها المؤسسات الإعلامية المحلية. وغالباً ما يضطر الصحافيون للموازنة بين أهمية الخبر والمجازفة المفترض أن يقوم بها لاستقائه. أما التقارير الميدانية فنادرة. وبوجه عام، يمضي الصحافيون الحد الأدنى المطلوب في الشوارع لإعدادها. يجرون مقابلة أو اثنين سريعاً، ويجمعون بعض الشهادات، ويسارعون إلى العودة إلى مقر مؤسستهم. وحدّث ولا حرج عن تقارير التحقيقات شبه المستحيلة في العراق. في أكثر الأعوام ضراوة، لم يكن الصحافيون الأجانب المتواجدون في البلاد يخرجون من فندقهم الذي غالباً ما كان يتحوّل إلى قاعة تحرير محصّنة. يرسلون صحافيين مستقلين لالتقاط الصور الضرورية. فإذا بكل مواطن عراقي يعمل كدليل للصحافة (يتولى الترجمة وتحديد المواقع) يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى مراسل فعلي. نظراً إلى المخاطر المحدقة بهم، اضطر مئات الصحافيين العراقيين إلى مغادرة بلادهم للاستقرار في سوريا أو الأردن، أو حتى في أوروبا أو أمريكا الشمالية. وفي بعض الأحيان، كان رحيلهم يحرم المؤسسات الإعلامية كلياً من كفاءاتهم، ما يحملها على تقليص إنتاجها الإعلامي جذرياً. أما اليوم، فمن المرتقب أن يساهم إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة الانسحاب التدريجي للقوات الأجنبية من العراق في تعديل واقع الحال. ومن المفترض أن يصبح الصحافيون المتعاونون مع مؤسسات إعلامية دولية والمتهمون في معظم الأحيان بالعمالة لصالح العدو، أقل عرضةً للاستهداف. ولكنه يجدر بالحكومة العراقية أيضاً أن تقاوم الرغبة في السيطرة على القطاع الإعلامي. وليست الحالات الأخيرة من التهديدات والضغوط والمضايقات الإدارية التي تسبب بها مسؤولون معادون للصحافة إلا لتذكّر بأن حرية التعبير لم ترقَ بعد إلى مستوى المكتسبات في العراق.
بمناسبة الذكرى السادسة للتدخل الأمريكي في العراق، قام أمين عام مراسلون بلا حدود جان - فرانسوا جوليار بتحليل وضع حرية الصحافة في العراق اليوم. يمكن الاطلاع عليه على موقع معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية على العنوان التالي: http://www.affaires-strategiques.info/spip.php?article938 منذ بدء التدخّل العسكري الأمريكي في العراق، فَقَدَ الصحافيون بالأمن ما اكتسبوه بالحرية. ففي ظل نظام صدام حسين، كانت الصحافة تخضع لأمرة السلطة: تتصدّر أخبار الرئيس الصفحات الأولى يومياً فيما يفرض حظر كامل على أي انتقادات توجه إليه. وكان مصير أي صحافي يجرؤ على الابتعاد عن الخط الرسمي العقاب الذي يتخذ في معظم الأحيان شكل الإقامة المطوّلة في السجن. إلا أن سقوط النظام في ربيع العام 2003 شرّع الأبواب لمساحة غير مسبوقة من الحرية. فظهرت مؤسسات إعلامية خاصة ومستقلة وتابعة للمعارضة وسرعان ما باتت 300 وسيلة إعلامية (بين صحف، وإذاعات، وقنوات تلفزة) تعمل على الأراضي العراقية. وما كان من الصحافيين إلا أن راحوا يستفيدون من حرية التعبير هذه التي كانوا يفتقدون إليها إلى تاريخه. ولكنهم سرعان ما استحالوا أيضاً أهدافاً لعدة جماعات مسلّحة ناشطة في البلاد في ظل تعدد دوافع القاتلين: مذهب الصحافي الديني، انتمائه إلى عشيرة أو أسرة معيّنة، تحقيقاته أو تقاريره الانتقادية، تعاونه مع مؤسسة إعلامية أجنبية، وغيرها. وبالمجموع، لاقى 225 محترفاً إعلامياً حتفهم (بين صحافيين ومعاونين إعلاميين) منذ بداية غزو قوات التحالف للبلاد في آذار/مارس 2003. ولا يخفى أن هذا النزاع كان الأكثر دموية للقطاع الإعلامي، مع الإشارة إلى أن عدد الصحافيين الذين قتلوا في العراق في غضون ستة أعوام هو أربع مرات أكثر من العدد الذي سقط في غضون عشرين عاماً من حرب فييتنام. ولعل العامين 2006 و2007 شهدا أكبر عدد من سفك الدماء، بحيث أنه سجِّل مقتل صحافي أسبوعياً. وفي الأغلبية الساحقة من الحالات، كان القاتلون ينتمون إلى جماعات مسلّحة هي في صراع مع السلطة المركزية القائمة في العراق والقوات الأجنبية. ولكن أكثر من عشرة صحافيين سقطوا بنيران الجنود الأمريكيين أيضاً. وقد أقرّ البنتاغون بمسؤوليته في عدة قضايا من دون أن يؤخذ أي تدبير عقابي (باستثناء بعض العقوبات الإدارية) ضد العسكريين المجرّمين. لا شك في أن هذا الإفلات من العقاب يساهم في الحفاظ على هذا الجو المأساوي. وبالرغم من تراجع ملحوظ في أعمال العنف المرتكبة ضد الصحافيين في العام 2008، إلا أن مقتل مراسلين في آذار/مارس 2009 ليؤكد أن الخطر لا يزال محدقاً بالمحترفين الإعلاميين. حتى في إقليم كردستان المحمي تقليدياً من انتفاضات الجمهورية، فقد تعددت الاعتداءات الموجهة ضد الصحافيين. الواقع أن السلطات العراقية لا تتجاهل هذه المسألة تماماً، ولا سيما رئيس الوزراء نوري المالكي. فبعد انتهاج سياسة الأذن الصماء إزاء دعوات المنظمات الدولية، قبلت الحكومة في العام 2008 بإنشاء وحدة خاصة في الشرطة مكلّفة بالتحقيق في الاغتيالات التي تستهدف الصحافيين، كما أنها خصّصت خطاً ساخناً للمحترفين الإعلاميين المعرّضين للخطر تمنح بموجبه الحماية المسلّحة للصحافيين الذين يطلبونها. ويجدر القول إن أعمال العنف هذه تترك عواقب وخيمة على معالجة الأخبار في العراق. فلا تحظى بعض المناطق الخطرة بالتغطية الكافية، بما فيها تلك التي تجريها المؤسسات الإعلامية المحلية. وغالباً ما يضطر الصحافيون للموازنة بين أهمية الخبر والمجازفة المفترض أن يقوم بها لاستقائه. أما التقارير الميدانية فنادرة. وبوجه عام، يمضي الصحافيون الحد الأدنى المطلوب في الشوارع لإعدادها. يجرون مقابلة أو اثنين سريعاً، ويجمعون بعض الشهادات، ويسارعون إلى العودة إلى مقر مؤسستهم. وحدّث ولا حرج عن تقارير التحقيقات شبه المستحيلة في العراق. في أكثر الأعوام ضراوة، لم يكن الصحافيون الأجانب المتواجدون في البلاد يخرجون من فندقهم الذي غالباً ما كان يتحوّل إلى قاعة تحرير محصّنة. يرسلون صحافيين مستقلين لالتقاط الصور الضرورية. فإذا بكل مواطن عراقي يعمل كدليل للصحافة (يتولى الترجمة وتحديد المواقع) يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى مراسل فعلي. نظراً إلى المخاطر المحدقة بهم، اضطر مئات الصحافيين العراقيين إلى مغادرة بلادهم للاستقرار في سوريا أو الأردن، أو حتى في أوروبا أو أمريكا الشمالية. وفي بعض الأحيان، كان رحيلهم يحرم المؤسسات الإعلامية كلياً من كفاءاتهم، ما يحملها على تقليص إنتاجها الإعلامي جذرياً. أما اليوم، فمن المرتقب أن يساهم إعلان الإدارة الأمريكية الجديدة الانسحاب التدريجي للقوات الأجنبية من العراق في تعديل واقع الحال. ومن المفترض أن يصبح الصحافيون المتعاونون مع مؤسسات إعلامية دولية والمتهمون في معظم الأحيان بالعمالة لصالح العدو، أقل عرضةً للاستهداف. ولكنه يجدر بالحكومة العراقية أيضاً أن تقاوم الرغبة في السيطرة على القطاع الإعلامي. وليست الحالات الأخيرة من التهديدات والضغوط والمضايقات الإدارية التي تسبب بها مسؤولون معادون للصحافة إلا لتذكّر بأن حرية التعبير لم ترقَ بعد إلى مستوى المكتسبات في العراق.
Publié le
Updated on
18.12.2017