أربع سنوات من القمع وثلاثة أعوام من الصمت : مازن درويش وحسين غرير وهاني الزيتاني، أصوات الإعلام المقموع في سوريا
عشية الجلسة الأخيرة في محاكمة مازن درويش وزميليه حسين غرير وهاني الزيتاني، بتاريخ 25 مارس\\آذار 2015، تدعو مراسلون بلا حدود إلى الإفراج عن رئيس ومؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مع زميليه الاثنين، باعتبارهم من ضحايا الاضطهاد الرهيب الذي يطال الصحفيين وبقية الفاعلين في المجتمع المدني السوري منذ أربع سنوات.
اعتُقل مازن درويش في 16 فبراير\\شباط 2012، برفقة هاني الزيتاني وحسين غرير وبقية أعضاء المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، خلال عملية مداهمة قام بها عناصر مخابرات القوى الجوية للمقر الواقع في وسط دمشق.
انطلقت محاكمة الحقوقيين الثلاثة في فبراير\\شباط 2013، بتهمة نشر معلومات عن أعمال إرهابية، لتتوقف وتُؤجَّل عدة مرات. ورغم إخلاء سبيل زميليهم منصور العمري وعبد الرحمن حمادة بكفالة في 6 فبراير\\شباط 2013، إلا أنهما مازالا بدورهما متابعَين في القضية نفسها.
وتشير لائحة الاتهامات مباشرة إلى نشاطهم الحقوقي داخل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير باعتباره عملاً إجرامياً، حيث ترى فيه السلطات محاولة لزعزعة استقرار الوضع الداخلي في سوريا من خلال تمكين المنظمات الدولية من إدانة سوريا في المحافل الدولية. والحال أن مهمة المركز تقتصر على رصد مستجدات المعارضة السورية على الإنترنت ونشر دراسات وتقارير عن واقع حقوق الإنسان وحالة وسائل الإعلام والوضع العام في البلاد، مع توثيق أسماء المعتقلين والمختفين والمطلوبين والقتلى في سياق الصراع السوري.
وفي هذا الصدد، قالت يارا بدر، زميلة مازن درويش وعضو الفريق العامل في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، إننا نتخوّف من مماطلة جديدة، لن تمثّل سوى استمراراً من الحكومة السورية بتجاهل مقتضيات العدالة وحقوق الإنسان، والضرب بعرض الحائط بكافة معايير المحاكمة العادلة، الأمر الذي لن يزيد الواقع السوري إلاّ بؤساً وتشجيعاً للتطرّف والإرهاب.
بعد أسابيع قليلة من اعتماد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 2139 بتاريخ 22 فبراير\\شباط 2014 مطالباً فيه بالإفراج عن جميع المحتجزين تعسفاً في سوريا، استنكرت مراسلون بلا حدود ومعها 60 منظمة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان قرار رئيس محكمة مكافحة الإرهاب في دمشق بتأجيل المحاكمة للمرة السابعة على التوالي.
وفي هذا السياق، قالت لوسي موريون، مديرة البرامج في منظمة مراسلون بلا حدود، لقد حان الوقت لكي تضع السلطات السورية حداً لما يزيد عن ثلاث سنوات من الاعتقال التعسفي في حق السادة درويش وغرير والزيتاني، مع انتهاك حقهم في الحصول على محاكمة عادلة. إذا كان الرئيس بشار الأسد ’[يستمع] دائماً لما يُقال‘، كما ورد في رده على تصريحات جون كيري في 15 مارس\\آذار، فإن منظمتنا وجميع مكونات المجتمع المدني السوري والدولي بانتظار تحرك فعلي في هذا الاتجاه. فبينما يبدو لبعض ممثلي المجتمع الدولي أن الفظائع التي ترتكبها الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة في سوريا من شأنها أن تمحو الفظائع التي اقترفتها سلطات دمشق على مدى السنوات الأربع الأخيرة، تُذَكِّرنا قضية مازن درويش وزملائه بالرغبة المشتركة التي تحذو مختلف الأطراف في تكميم الأصوات المدافعة عن حرية الإعلام.
الصحافة، عدو مشترك لأطراف النزاع السوري
يئن الصحفيون تحت وطأة قمع النظام وبطش الجماعات المسلحة التابعة لمعسكر المعارضة، سواء تعلق الأمر بمقاتلي جبهة النصرة أو جيوش الدولة الإسلامية أو بأي من الميليشيات المتطرفة الأخرى المنتشرة فوق مختلف أنحاء الأراضي السورية. وسواء كانوا محليين أو أجانب، محترفين أو هواة، فإن الإعلاميين يمثلون الأهداف المفضلة لدى قوى العنف والاضطهاد.
فقد قُتل مراسلا تلفزيون أورينت، يوسف محمود الدوس ورامي عادل العاسمي، وزميلهما المصور سالم عبد الرحمن يوم 8 ديسمبر\\كانون الأول 2014 على هامش المعارك الدائرة بين الجيش النظامي السوري وقوات المعارضة في قرية الشيخ مسكين بمحافظة درعا (الجنوب السوري)، بعدما استهدفت قذيفة صاروخية سيارة طاقم القناة. وفي الشهر التالي، وبالضبط في 31 يناير\\كانون الثاني 2015، أصبح الياباني كينجي غوتو ثالث صحفي أجنبي يُقتل بوحشية على يد تنظيم الدولة، بعد خمسة أشهر من ذبح الأمريكيين جيمس فولي وستيفن سوتلوف.
هذا وقد لقي ما لا يقل عن 43 إعلامياً محترفاً و127 صحفياً-مواطناً حتفهم في سوريا منذ اندلاع الصراع عام 2011، في حين يلقى حوالي خمسين آخرين نفس مصير مازن درويش وزميليه، حيث مازالوا يقبعون في مختلف سجون البلاد بعد اعتقالهم ظلماً وعدواناً. ووفقاً للأرقام المتوفرة لدى منظمة مراسلون بلا حدود، مازال 25 صحفياً -خمسة منهم أجانب - في عداد المفقودين أو الرهائن في أيدي الدولة الإسلامية أو غيرها من الجماعات المتطرفة المسلحة.
وبالإضافة إلى ما يطغى على هذا الصراع من عنف رهيب، فإن القمع الشنيع الذي يطال الصحافة في سوريا قد عجَّل برحيل العشرات من الإعلاميين والصحفيين-المواطنين الذي فروا خارج البلاد. ومع ذلك، مازال معظمهم يخشون على سلامتهم في لبنان والأردن وكردستان العراق أو حتى تركيا، حيث أكد لنا العديد منهم استمرار تلقي التهديدات حتى بعد مغادرة البلاد قسراً. صحيح أن الإعلاميين المحترفين والصحفيين-المواطنين لا يجدون صعوبات كبيرة في تخطي الحدود المتاخمة لسوريا بحثاً عن ملجأ آمن، بيد أن الأمر نفسه ينطبق كذلك على ملاحقيهم، على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم، حيث لا يجدون بدورهم أدنى عناء في العبور إلى البلدان المجاورة لممارسة القمع والاضطهاد.
هذا وتُعد سوريا من بين الدول الأكثر خطورة في العالم على ممتهني الصحافة، مما يفسر احتلال هذا البلد المركز 177 (من أصل 180) في ترتيب 2015 لحرية الإعلام، الذي نشرته منظمة مراسلون بلا حدود مطلع هذا العام.