يُسجَّل تقهقر مهول على مستوى المؤشر السياسي لحرية الصحافة في الغالبية العظمى من بلدان المنطقة، حيث تواصل السلطات محاولاتها للسيطرة على وسائل الإعلام بكل الطرق والأساليب، من عنف واعتقالات وقوانين سالبة للحرية والضغوط المالية واستخدام للأعراف المجتمعية من أجل الضغط على الصحفيين، ناهيك عن الإفلات المنهجي من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد أهل المهنة.
المنطقة ترزح تحت أهوال الحروب
يقع الصحفيون ضحية للحروب التي تعصف في مختلف بلدان المنطقة، ولا سيما فلسطين (المرتبة 157)، التي تدفع ثمناً باهظاً للصراع إلى درجة أصبحت معها البلد الأكثر خطورة على سلامة الصحفيين في العالم، حيث قتل الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وحده أكثر من 100 صحفي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، علماً أن 22 منهم على الأقل لقوا حتفهم أثناء قيامهم بعملهم. فمنذ بداية الحرب على غزة، تحاول إسرائيل (المرتبة 101) خنق المعلومات المتدفقة من القطاع المحاصر، بينما أصبحت المعلومات المضللة جزءاً من منظومتها الإعلامية، مما أفقدها مكانتها كدولة رائدة في المنطقة، حيث أصبح وضع حرية الصحافة فيها "صعباً" بعدما كان "اشكاليًا" في النسخة السابقة من التصنيف، علماً أن قطر (المرتبة 84) باتت تتقدم عليها في جدول الترتيب.
وغير بعيد عن فلسطين، قتل الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن ثلاثة صحفيين في لبنان (المرتبة 140). وفي السودان (المرتبة 149)، أصبحت حرية الصحافة تعيش وضعاً "خطيراً للغاية" في ظل النزاع الداخلي الذي تدور رحاه منذ أبريل/نيسان 2023، والذي أودى بحياة العديد من الصحفيين. أما سوريا، التي تُعد من أخطر البلدان على سلامة الفاعلين الإعلاميين، فقد تقهقرت إلى المرتبة ما قبل الأخيرة من التصنيف، بعد فقدان أربعة مراكز، علماً أن الصحفيين السوريين المنفيين بكل من الأردن (المرتبة 132) وتركيا ولبنان يئنون باستمرار تحت وطأة التهديدات بالطرد والترحيل.
الصحفيون يعانون الأمرين بين مطرقة الاعتقالات وسندان الضغوط السياسية
لا تدَّخر دول المنطقة أي جهد لتشديد قيودها على الحق في الوصول إلى المعلومات، حيث تلجأ الحكومات الخليجية إلى مختلف الأساليب للتجسس والسيطرة على الحقل الإخباري، ناهيك عن اعتماد تشريعات تقييدية وسالبة للحرية في كل من الكويت (المرتبة 131) ولبنان، سيراً على النموذج المعمول به في الأردن أو الجزائر (139)، حيث باتت الصحافة المستقلة مهددة بالانقراض.
هذا وتضم قائمة أكبر عشرة سجون للصحفيين في العالم خمسة دول من الشرق الأوسط، وهي إسرائيل والمملكة العربية السعودية (المرتبة 166) وسوريا وإيران (المرتبة 176) – التي حافظت على مكانها في مؤخرة الترتيب - حيث تنتهج سلطاتها سياسة قمعية واسعة النطاق. أما في مصر (المرتبة 170)، فإن الإفراج عن عدد قليل من الفاعلين الإعلاميين - بفضل الضغوط الدولية أساساً - يؤكد مدى تأثر سلامة الصحفيين بمجرى المصالح السياسية، والشيء نفسه ينطبق على اليمن (المرتبة 154)، حيث أُطلق سراح مجموعة من الصحفيين الرهائن بعد المصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية.
هذا ويتعرض الصحفيون لشتى أنواع الضغوط من السياسيين في كافة دول المنطقة وغالباً ما يدفعون ثمن الاستقطاب السياسي، كما هو الحال في العراق (المرتبة 169)، أو في تونس (المرتبة 118)، حيث تطال الاعتقالات والاستجوابات الصحفيين الذين ينتقدون كيفية استيلاء الرئيس على السلطة منذ عام 2019، في سيناريو يعيد إلى الأذهان فترة ما قبل الثورة.
كما أصبحت السلطات في مختلف دول المنطقة ترسم خطوطاً حمراء على نحو متزايد، حيث تفرض رقابة خانقة على مجموعة من المواضيع أو تملي على وسائل الإعلام كيفية تغطيتها. فسواء تعلق الأمر بالحروب أو قضايا الفساد أو الجرائم المالية أو الأزمات الاقتصادية أو وضع المرأة أو مسألة المهاجرين أو القضايا المتعلقة بالمجموعات العرقية والأقليات الجنسية، فإن هامش المواضيع "المسموح" بمناقشتها في وسائل الإعلام يضيق باستمرار في المنطقة.
وإذا كان المؤشر السياسي قد ارتفع فقط في المغرب (المرتبة 129)، فذلك مردُّه أساساً لعدم وجود اعتقالات جديدة، لكن هذا لا يمكن أن يقلل من هول دوامة القمع الجاثم على صدور الفاعلين الإعلاميين، والذي يتَّخذ شكل الملاحقات القضائية بالأساس.